الجهاد في سبيل الله
فضله، ومراتبه، وأسباب النصر على الأعداء
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:..
فهذه كلمات مختصرة في "فضل الجهاد في سبيل الله تعالى، وأسباب النصر على الأعداء"، أوجهها إلى كل مجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى، في مشارق الأرض ومغاربها، وفوق كل أرض وتحت كل سماء، وقد بيّنت فيها: مفهوم الجهاد، وحكمه، ومراتبه، والحكمة من مشروعيته، وأنواع الجهاد، وفضله، والترهيب من ترك الجهاد، وبيان شهداء غير المعركة، وأسباب وعوامل النصر على الأعداء، والله أسال – عز وجل – أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان، وأن يوفقهم للعمل بعوامل النصر وأسبابه، والإخلاص في القول والعمل، والرغبة فيما عند الله من الثواب العظيم والتجارة الرابحة، والفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل مباركًا، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه أكرم مأمول وخير مسؤول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
الرياض في 6/2/1411هـ
المبحث الأول: مفهوم الجهاد لغة وشرعًا:
لغة: بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل( ).
شرعًا: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار، والبغاة، والمرتدين ونحوهم.
المبحث الثاني: حكم الجهاد في سبيل الله تعالى:
الجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين( ). قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات( ):
1ـ إذا حضر المسلم المكلف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان، قال الله تعالى: {آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]. وقال سبحانه: {آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من السبع الموبقات( ).
2ـ إذا حضر العدو بلدًا من بلدان المسلمين تعين على أهل البلاد قتاله وطرده منها، ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو ويبدأ الوجوب بالأقرب فالأقرب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123].
3ـ إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك، قال الله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]. وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونِيَّة، وإذا استُنفِرْتُم فانْفِروا"( ). وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38].
وجنس الجهاد فرض عين: إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد. فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل الله بنوع من هذه الأنواع حسب الحاجة والقدرة. والأمر بالجهاد بالنفس والمال كثير في القرآن والسنة، وقد ثبت من حديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بألسنتكم، وأنفسكم، وأموالكم، وأيديكم"( ).
المبحث الثالث: مراتب الجهاد في سبيل الله:
الجهاد له أربع مراتب: جهاد النفس، والشيطان، والكفار، والمنافقين، وأصحاب الظلم والبدع والمنكرات:
أولاً: جهاد النفس أربع مراتب:
1ـ جهادها على تعلم أمور الدين والهُدى الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
2ـ جهادها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
3ـ جهادها على الدعوة إليه ببصيرة، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
4ـ جهادها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، وأن يتحمل ذلك كله لله. فمن علم وعمل، وصبر فذاك يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات.
ثانيًا: جهاد الشيطان وله مرتبتان:
1ـ جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
2ـ جهاده على دفع ما يلقي إليه من الشهوات والإرادات الفاسدة، فالجهاد الأول بعد اليقين والثاني بعد الصبر، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. والشيطان أخبث الأعداء، قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
ثالثًا: جهاد الكفار والمنافقين:
وله أربع مراتب:
1ـ بالقلـب.
2ـ واللسـان.
3ـ والمـال.
4ـ واليـد.
وجهاد الكفار أخصّ باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان.
رابعًا: جهاد أصحاب الظلم والعدوان، والبدع والمنكرات:
وله ثلاث مراتب:
1ـ باليد إذا قدر المجاهد على ذلك.
2ـ فإن عجز انتقل إلى اللسان.
3ـ فإن عجز جاهد بالقلب، فعن أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"( ).
فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد؛ ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله محمد خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كمّل مرات بالجهاد وجاهد في الله حق جهاده( )، فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار.
ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعًا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد الله – رضي الله عنه -: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"( ). كان جهاد النفس مقدَّمًا على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهاها الله عنه ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار عليه وعدوه الذي بين جنبيه غالب له وقاهر له؟ ولا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج. فهذان عدوان( ) وبينهما عدو ثالث لا يمكن للعبد أن يجاهدهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط الإنسان عن جهادهما ويخوِّفه ويخذله، ولا يزال يخوفه ما في جهادهما من المشاق، وفوات اللذات، والشهوات، فلا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاد هذا العدو الثالث وهو الأصل لجهادهما وهو الشيطان( ).
المبحث الرابع: الحكمة من مشروعية الجهاد:
بيّن الله عز وجل الهدف والغاية من الجهاد في سبيل الله تعالى، قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39]. وقال – عز وجل -: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]. فعلى هذا يكون الهدف والحكمة من الجهاد الأمور التالية:
أولاً: إعلاء كلمة الله تعالى؛ لحديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"( ).
ثانيًا: نصر المظلومين، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].
ثالثًا: ردّ العدوان وحفظ الإسلام، قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]. وقال سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].
المبحث الخامس: أنواع جهاد الأعداء:
جهاد الأعداء أنواع منها ما يلي:
1ـ جهاد الكفار، والمنافقين، والمرتدين( ).
2ـ جهاد البغاة المعتدين الذين يريدون تغيير نظام الحكم أو الحكام المسلمين ولهم تأويل سائغ وفيهم منعة وقوة( ) والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10]. وعن عرفَجَة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون هنات وهنات( ) فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". وفي لفظ: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"( ).
3ـ الدفاع عن الدين، والنفس، والأهل والمال. ويدخل في هذا النوع جهاد قطاع الطرق( ). وعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"( ). وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أنه قال لخالد بن العاص: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد"( ).
وعن مخارق – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يأتيني يريد مالي؟ قال: "ذكِّرهُ بالله" قال فإن لم يذكر؟ قال: "فاستعن عليه من حولك من المسلمين" قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: "فاستعن عليه السلطان" قال: فإن نأى السلطان عني [وعجل عليَّ] قال: "قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك"( ).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"( ).
المبحث السادس: فضل الجهاد في سبيل الله تعالى:
جاء في فضل الجهاد نصوص كثيرة وأنواع من الثواب الجزيل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1ـ الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]. وقد بيّن الله تعالى الصفات الجميلة والأعمال الجليلة لهؤلاء الأبطال الذين وعدهم الله بهذه البشارة، فقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ( ) الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]. وقال تعالى في تجارة المجاهدين الرابحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10-13]. وقال سبحانه وتعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].
2ـ فضل الرباط في سبيل الله تعالى:
الثغور التي يمكن أن تكون منافذ ينطلق منها العدو إلى دار الإسلام يجب أن تحصن تحصينًا منيعًا حتى لا تكون جانب ضعف يستغله العدو ويجعله منطلقًا له. ولهذا جعل الله للمرابطين في سبيله الثواب العظيم فعن سلمان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان( )"( ).
3ـ فضل الحراسة في سبيل الله تعالى:
عن أبي ريحانة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله"( ). وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"( ).
4ـ فضل الغدوة أو الروحة في سبيل الله:
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عيها"( ). وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خير من الدنيا وما فيها"( ) ( ).
5ـ فضل من اغبرَّت قدماه في سبيل الله:
عن عبد الرحمن بن جبر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار"( ). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم"( ).
6ـ الجنة تحت ظلال السيوف:
عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"( ).
7ـ الجهاد لا يعدله شيء:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: "لا أجده" قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر"؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟( ).
8 ـ درجات المجاهدين في سبيل الله:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة"( ).
9ـ ضيافة الشهداء عند ربهم:
عن المقدام بن مَعْدِيكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ستُّ خصال: يغفرُ له في أول دُفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه"( ). وفي حديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الحور العين: "ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحًا، ولنصيفها( ) على رأسها خير من الدنيا وما فيها"( ).
10ـ دم الشهيد يوم القيامة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكلم( ) أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيل إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك"( ).
11ـ تمني الشهيد أن يقتل عشر مرات:
عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة..". وفي لفظ: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة"( ).
12ـ أرواح الشهداء تسرح في الجنة:
سئل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن هذه الآية: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا"( ).
13ـ ما يجد الشهيد من ألم القتل:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهيد لا يجد من القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يُقرصُها"( ).
14ـ فضل النفقة في سبيل الله تعالى:
قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. وعن خزيم بن فاتك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة ضعف"( ). وعن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة"( ).
15ـ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون:
قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].
16ـ الجهاد باب من أبواب الجنة:
عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم"( ).
17ـ ما يُبلِّغ منازل الشهداء:
ويحصل هذا الخير العظيم لمن سأل الله الشهادة بصدق، فعن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"( ). وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه"( ).
18ـ فضل المجاهدين على القاعدين:
قال الله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا، دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95، 96].
19ـ الرحمة والمغفرة للشهداء:
قال الله تعالى: {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ، وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 157، 158].
20ـ القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدَّين:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين"( ).
وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم: "أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال" فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت"؟ فقال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك"( ).
21ـ المجاهد بنفسه وماله أفضل الناس:
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه ويدع الناس من شره"( ).
22ـ من خرج من بيته مجاهدًا فمات فقد وقع أجره على الله:
قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 100]. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انتدب( ) الله لمن خرج في سبيله، لا يخرج إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل". وفي لفظ: "وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة". وفي لفظ: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة"( ). والأعمال بالنيات، وقد روي في مسند الإمام أحمد: "من خرج من بيته مجاهدًا في سبيل الله عز وجل فخرَّ عن دابته ومات فقد وقع أجره على الله تعالى، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله عز وجل"( ).
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن مات في الرباط في سبيل الله: "وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجري عليه رزقه وأمن الفتان"( ). وهذا يؤكد فضل الموت في سبيل الله تعالى مرابطًا، والمعنى والله أعلم: "إن مات في حال الرباط أجري عليه أجر عمله الذي كان يعمله في حال رباطه، فينمو له عمله، وأجري عليه رزقه فيرزق في الجنة كما يرزق الشهداء الذين تكون أرواحهم في حواصل الطير، تأكل من ثمر الجنة، ويُؤمَنُ من كل فتنة، وقيل: من فتاني القبر"( ).
23ـ مثل المجاهد في سبيل الله تعالى:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة، ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله"( ).
24ـ ذروة الإسلام الجهاد في سبيل الله تعالى:
عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"( ).
25ـ سياحة أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله:
عن أبي أمامة – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل"( ). عندما كان الإسلام لا يأمر بالذهاب في الأرض ومفارقة الوطن والأحباب قهرًا للنفس بمفارقة المألوف وهجر المباحات بين النبي عليه الصلاة والسلام "أن الإسلام دين الحياة والجهاد في سبيل الله في هذه الأرض ولن يعدم المسلم بابًا من أبوابه"( ).
26ـ الرمي بسهم في سبيل الله يعدل إعتاق رقبة:
عن أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمي – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررٍ"( ). ولفظ ابن ماجه: "من رمى العدو بسهم، فبلغ سهمه العدوَّ، أصاب، أو أخطأ، فيعدل رقبة"( ).
27ـ عمل قليلاً وأجر كثيرًا:
عن البراء – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُقَنَّعٌ( ) بالحديد فقال يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أسلم ثم قاتل" فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمل قليلاً وأجر كثيرًا"( ).
28ـ من جهّز غازيًا فقد غزا:
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جهَّز غازيًا فقد غزا( )، ومن خلف غازيًا في أهله فقد غزا"( ).
المبحث السابع: الترهيب من ترك الجهاد:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق"( ).
وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يغز، أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة"( ).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم( ).
وللحث على الاستعداد للجهاد في سبيل الله تعالى ثبت من حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى"( ).
المبحث الثامن: الشهداء في غير المعركة:
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء في غير المعركة في عدة أحوال، وخصال، وأدلة هذه الخصال ثابتة في السنة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِقُ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"( ). وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطاعون شهادة لكل مسلم"( ).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهيد فيكم"؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: "إن شهداء أمتي إذًا لقليل" قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد" وفي رواية: "والغريق شهيد"( ).
وعن جابر بن عتيك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغَرِقُ شهيد، وصاحب ذات الجَنبِ شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمعٍ شهيد"( ).
وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في القتل شهادة، وفي الطاعون شهادة، وفي البطن شهادة، وفي الغرق شهادة، وفي النفساء يقتلها ولدها جمعاء شهادة"( ).
وعن راشد بن حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعلمون من الشهيد من أمتي"؟ فقال عبادة – رضي الله عنه -: يا سول الله الصابر المحتسب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شهداء أمتي إذًا لقليل: القتل في سبيل الله – عز وجل – شهادة، والطاعون شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسره إلى الجنة، والحرق، والسِّلُّ"( ).
وعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – يرفع للنبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"( ). وعن سويد بن مقرن يرفعه: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد"( ).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: "والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك، فذكرها في وقت آخر، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة"( ). قلت: وهي التي اشتملت عليها هذه الأحاديث التي ذكرتها هنا وهي على النحو الآتي:
1ـ من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد.
2ـ من مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد، يعني لم يباشر الحرب ولو لم يشاهده وبأي صفة مات.
3ـ المطعون شهيد، وهو الذي يموت بالطاعون، وهو الوباء.
4ـ المبطون شهيد، وهو الذي يموت من علة البطن، كالاستسقاء وهو انتفاخ الخوف، والإسهال، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا.
5ـ الغَرِقُ شهيد، وهو الذي يموت غريقًا في الماء، يروى بغير ياء كحذِر، ويروى بالياء، وهو للمبالغة: كعليم.
6ـ وصاحب الهدم شهيد، وهو الذي يموت تحت الهدم.
7ـ والحريق شهيد، وهو الذي يموت بحرق النار، ومن فرط في هذه الثلاثة ولم يتحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات فهو عاصٍ وأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه( ).
8ـ صاحب ذات الجنب شهيد، وهي قرحة تكون في الجنب وورم شديد باطنًا.
9ـ المرأة تموت بجُمع شهيدة، ويقال بضم الجيم وكسرها وهي المرأة تموت حاملاً، وقد جمعت ولدها في بطنها، وقيل: هي البكر، وصحح القرطبي والنووي الأول( ).
10ـ من قتل دون ماله فهو شهيد.
11ـ من قتل دون أهله فهو شهيد.
12ـ من قتل دون دينه فهو شهيد.
13ـ من قتل دون دمه فهو شهيد.
14ـ من قتل دون مظلمته فهو شهيد.
15ـ السِّلُّ شهادة، بكسر السين وضمّها، وتشديد اللام، وهو داءٌ يحدث في الرئة يؤول إلى ذات الجنب، وقيل: زكام أو سعال طويل مع حمى هادية، وقيل: غير ذلك( ).
المبحث التاسع: أسباب النصر على الأعداء:
من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم، بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ الإيمان والعمل الصالح:
وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم، وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوهم وإن طال الزمن، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 51، 52]. وقال سبحانه: {حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2-4]. وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وقال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
2ـ نصر دين الله تعالى:
ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى والقيام به قولاً، واعتقادًا، وعملاً، ودعوة. قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 40، 41]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 7، 8]. وقال – عز وجل -: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
3ـ التوكل على الله والأخذ بالأسباب:
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11]. وقال سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. وقال – عز وجل -: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: 3]. وقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58]. وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا"( ). ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى.
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. وعن أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله أعقلها وأتول أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل"( ).
4ـ المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه مع كمال عقله وسداد رأيه امتثالاً لأمر الله تعالى وتطييبًا لنفوس أصحابه، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. وقال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
5ـ الثبات عند لقاء العدو:
من عوامل النصر الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه التي خاضها، كما فعل في بدر، وأحد وحنين، وكان يقول في حنين حينما ثبت وتراجع بعض المسلمين: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. اللهم نزل نصرك"( )، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا الحسنة قال الله – عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وثبت أصحابه من بعده – رضي الله عنهم -.
وعن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"( ).
6ـ الشجاعة والبطولة والتضحية:
من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة والتضحية بالنفس والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ولا يؤخره، قال الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
قال الشاعر:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
ولهذا كان أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى التي قاتل فيها ومنها على سبيل المثال:
أولاً: شجاعته البطولية الفذة في معركة بدر، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا)( ). وقال – رضي الله عنه -: (كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه)( ).
ثانيًا: في معركة أحد قاتل قتالاً بطوليًّا لم يقاتله أحد من البشر( ).
ثالثًا: في معركة حنين: قال البراء: كنا إذا احمر الباس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم( ). وركوبه صلى الله عليه وسلم على البغلة في معركة حنين وغيرها يدل على شجاعته العظيمة؛ ولهذا ذكر العلماء أن ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس: هو النهاية في الشجاعة والثبات؛ لأن ركوب الفحولة أو الفرس مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وكذلك نزوله إلى الأرض حين غشوه يدل على المبالغة في الثبات، والشجاعة والصبر( )، ومما يؤكد ذلك رواية لمسلم عن سلمة – رضي الله عنه – قال فيها: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا( ) وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله: "لقد رأى ابن الأكوع فزعًا" فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوه القوم فقال: "شاهت الوجوه"( )، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين"( ). وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشر غزوة قاتل في ثمان منهن( )، بل ذكر النووي – رحمه الله – وغيره أنه كان عدد سراياه صلى الله عليه وسلم التي بعثها ستًّا وخمسين سرية، وسبعًا وعشرين غزوة، وقاتل في تسع من غزواته( ).
وهكذا أصحابه – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فينبغي للمجاهدين أن يقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فعن أنس – رضي الله عنه – قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" وهو على فرس لأبي طلحة عُرِيٍّ ما عليه سرج.."( ).
7ـ الدعاء وكثرة الذكر:
من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ونصر أوليائه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. وقال – عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]. وقد أمر الله بالذكر والدعاء عند لقاء العدو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]؛ لأنه سبحانه النصير فنعم المولى ونعم النصير. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه في معاركه ويستغيث به، فينصره ويمده بجنوده، ومن ذلك أنه نظر صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه واستغاث بالله، وما زال يطلب المدد من الله وحده مادًّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله – عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة( ). وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله في جميع معاركه ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب [مجري السحاب] [هازم الأحزاب] اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم"( ). وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي( )، وأنت نصيري، بك أحول( )، وبك أصول، وبك أقاتل"( ). وعن أبي بردة بن عبد الله أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم"( ). وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال له الناس {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}( ). وهكذا ينبغي أن يكون المجاهدون في سبيل الله تعالى؛ لأن الدعاء يدفع الله به من البلاء ما الله به عليم.
فعن سلمان – رضي الله عن